الإشعارات
أودري أزولاي
المديرة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة
اللغة العربيّة واحدة من أكثر لغات العالم انتشارًا. وهي لسان ما يربو على 422 مليون نسمة، وبها يتواصلون ويتفاعلون. كما أنّها لغة دين الإسلام الذي يعتنقه ما يربو على المليار ونصف المليار إنسان، وبها يمارسون عباداتهم.
والعربيّة ركيزة من ركائز الحضارة الإنسانيّة. وهي لغة الابتكار والاستكشاف في مجالات العلوم والطبّ والفلك والرياضيّات والفلسفة والتأريخ، على مرّ العصور. وكانت وما تزال جسرًا للمعرفة، عبر الزمان والمكان. وأسهمت عبر القرون، مع بقيّة ثقافات العالم، في تراكم إرث الإنسانيّة.
واليوم، ومع الدور المتزايد الذي أضحت تلعبه التكنولوجيا في حياتنا اليوميّة، وبعدما توحّدت دول العالم أجمع تحت مظلّة معايير قياسيّة، أصبح التنوّع اللغويّ أمام تحدّيات وتهديدات. ولم تعد اللغة العربيّة، التي عرّفت أوروبّا العصور الوسطى على علم البصريّات، متواجدةً بما يليق بمكانتها في الدوريّات والمطبوعات الأكاديميّة. وصار على المتحدّثين بالعربيّة تعلُّم لغات أخرى، حتّى يتسنّى لهم تطوير مسارات حياتهم، في العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعيّة.
وسعيًا لتغيير هذا الواقع على نحو إيجابيّ، قرَّرت منظّمة اليونسكو في العام 2012 تحديد يوم 18 ديسمبر من كلِّ عام ليكون احتفاءً باليوم العالميّ للّغة العربيّة. ومنذ ذلك العام، انصبَّ تركيز منظّمتنا على إيجاد سبل تعزيز استخدام اللغة العربيّة في عملها؛ ومن بين تلك الجهود تشجيع الشباب، الذين يمثّلون قرابة ثلث سكّان الدول العربيّة، على أن يكونوا أصحاب الدور الرئيسيّ في صياغة مستقبل لغتهم، مع دعمهم بكلِّ الطرق الممكنة نحو تحقيق تلك الغاية.
وفي هذا الصدد، أطلقت اليونسكو عددًا آخر من المبادرات، من أبرزها برنامج مؤسّسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود لدعم اللغة العربيّة في اليونسكو، وهو البرنامج الذي أبرمت اتفاقيّته في العام 2017، لتنفيذه على مدار خمسة أعوام في شراكة استراتيجيّة مع المؤسّسة الخيريّة، لتمكين الناطقين بالعربيّة من باحثين وفنّانين ومبدعين وصحفيّين، والمرأة على وجه خاصّ. كما تعكف اليونسكو على وضع أطلس اللغة العربيّة، بغرض تعزيز التنوّع الثقافيّ واللغويّ بين المتخصّصين في اللغة العربيّة والناطقين بها.
ومن هنا، يأتي إصدار تقرير "حالة اللغة العربيّة ومستقبلها" في وقته المنشود. فهو ينبّهنا لحاجتنا إلى جمع مزيد من البيانات حول الموضوعات المتعلّقة باللغات، بما يكفل الحفاظ عليها وصونها واستمراريّتها ويعزّز حضورها الهامّ. وهي مهمّة تزداد إلحاحًا في عالمنا الرقميّ الراهن، حيث يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ والتكنولوجيا الإسهام بدورها مع لغات العالم في نشر المعرفة ونقلها وإتاحتها.
وأودّ في هذا السياق أن أشكر دولة الإمارات العربيّة المتّحدة على نشر هذا التقرير، الذي يجسّد تعاونها الكبير مع منظّمة اليونسكو في هذا المجال. وتبدي دولة الإمارات التزامًا لا يلين نحو الارتقاء بدور ومكانة اللغة العربيّة؛ الأمر الذي انعكس على قرار اليونسكو بتسمية مدينة الشارقة عاصمة عالميّة للكتاب في العام 2019، تقديرًا لجهودها في نشر وتشجيع ثقافة القراءة.
إنّني أرى اللغة العربيّة اليوم مثل بوّابة عبور إلى تراث ثقافيّ غاية في الثراء والتنوّع، وأجد فيها مقدَّرات هائلة نحو توطيد أواصر التعاون بين الشعوب وتحقيق السلم فيما بينها. لذلك ارتأت منظّمة الأمم المتّحدة، في العام 1973، أن تكون اللغة العربيّة واحدة من لغاتها الرسميّة المعتمدة. ولسوف تواصل اليونسكو جهودها في حسن استغلال إمكانات هذه اللغة لتكون حلقة وصل وجسرًا نحو تحقيق مبادئ الكرامة والنزاهة والتحرُّر والمساواة بين المرأة والرجل. وما هذا التقرير إلا لبنة قويّة متينة في بناء تلك المساعي المحمودة.
سموّ الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان
وزير الثقافة في المملكة العربيّة السعوديّة
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسّست بلادنا الغالية (المملكة العربيّة السعوديّة) على أسس راسخة تتّصل بثوابتها الكبرى ومبادئها الرئيسة، ومنها: اللغة العربيّة التي اختصَّ الله بها هذه الأرض الكريمة بأن شهدت حركة اللغة فيها، ونَظم الأشعار والقصص والحكايات، وكتابة النقوش والخطوط، وتبادل الروايات والأحداث، ثم تُوِّجت بنزول القرآن كتابًا عربيًّا.
وحظيت اللغة العربيّة باهتمام كبير من سيّدي خادم الحرمين الشريفين - أيَّده الله - في جميع خطبه وخطاباته وكلماته وتوجيهاته، حيث يؤكّد أنَّ خدمة اللغة تشريف وتكليف لإنسان هذا المكان، ويوجِّه دائمًا بالاهتمام بها، في تجسيد كريم لاهتمام المملكة العربيّة السعوديّة وصلتها العميقة باللغة العربيّة، حيث أنزلتها منزلة كبرى في جميع أنظمتها ولوائحها، بدءًا من النظام الأساسيّ للحكم، مرورًا بأنظمة القضاء والثقافة والتعليم والإعلام وغيرها، إلى أن تجلَّت في رؤية 2030 التي أطلقها سيّدي وليّ العهد صاحب السموّ الملكيّ الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله-.
ونحن نعلم أنَّ اللغة سمة بشريّة، خصّ اللهُ بها بني البشر، وذلك لتتميم احتياجاتهم، وتواصلهم فيما بينهم، إذ كرَّم الخالق بني آدم باللسان للتواصل والتعارف. هذا كلُّه جعل من اللغة شرطًا أساسيًّا للعيش، لا يتمّ للبشر حياة بدونها، ومن هنا تحوّلت اللغة من وسيلة عابرة للتواصل إلى أن تكون وسيلة عميقة لنقل الثقافة والحضارة وتبادل الأفكار والرؤى، وفي تاريخ البشر ما يشهد على ذلك نتيجة لتعدُّد الأعراق واختلاف بقع الأرض وتعدُّد الألسنة واللغات، وما صاحبه أو تلاه من تحوّلات حدثت في الألسنة واللغات، أو أحدثتها هذه الألسنة واللغات في طبيعة الرؤية إلى الحياة.
وللّغة العربيّة مكانة كبرى في وجدان العرب والمسلمين، وذلك بالنظر إلى العامل التاريخيّ والثقافيّ والجغرافيّ، حيث يجد العرب فيها تاريخهم الثقافيّ العميق، ويشتركون مع إخوتهم المسلمين في استشعار قداسة النصّ القرآنيّ الذي شرّف لغتهم وخلّدها في قلوب المسلمين في جميع العصور والأماكن. أمّا نحن أبناء المملكة العربيّة السعوديّة فإنّنا نتشرّف بما سبق ونرتبط بهذه اللغة بروابط عديدة، فهي لغة المكان والجغرافيا، ولغة التاريخ، ولغة الثقافة، وهي إلى جانب ذلك لغة دولتنا التي جاءت في المادّة الأولى من النظام الأساسيّ للحكم، وحين نتحدّث عن اللغة فإنّنا نتحدّث عن هويّتنا العميقة، وما نرويه أو ندرسه أو نكتبه أو نتّجه إلى توثيقه، إنّما هو مرتبط بعمق هذه اللغة وثقافتها.
ولقد تشرّفنا في وزارة الثقافة بتلقّي مسؤولية المساهمة في نشر اللغة العربيّة وإطلاق البرامج والمشروعات التي تدعمها، أو متابعتها ومساندتها، ونحن نؤمن أنَّ لغتنا العربيّة تتّصل بمكوّنات عديدة، وتتجلّى بمستويات متنوّعة، ولذلك جاء عملنا على أصعدة متعدّدة، ومنها: الإشراف على مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدوليّ لخدمة اللغة العربيّة، والعمل على إطلاق مجمع الملك سلمان العالميّ للّغة العربيّة، والإشراف على عدّة برامج كبرى تخدم اللغة العربيّة مثل: عام الخطّ العربيّ، ومعرض الكتاب الدوليّ، ومهرجان الجنادريّة، والهيئات المتخصّصة، وعلى رأسها: هيئة الأدب والنشر والترجمة، والمجلّة العربيّة، وما يتّصل بذلك من تمتين الحضور الثقافيّ الدوليّ وتعميق الاهتمام بلغتنا العربيّة وجماليّاتها المتنوّعة في التشكيل والخطّ وغيرها، مع مساندتنا وفخرنا بجهود الوزارات والمؤسّسات السعوديّة المختلفة في دعم أيّ نشاط يخدم لغتنا وثقافتنا العربيّة، وذلك ببرامج مختلفة مثل تأسيس المكتبات والجمعيّات وافتتاح كلّيّات ومراكز ومعاهد تعليم اللغة العربيّة في الداخل والخارج وغيرها.
ندرك أنَّ اللغة العربيّة - كغيرها من اللغات - تمرّ بتحوّلات وتحدّيات متنوّعة، وذلك تبعًا للتحوّلات التقنيّة والصناعيّة والثقافيّة الدوليّة، ونحن نتقوَّى بمواطن الثقل المميّزة للغتنا ودولتنا في نشر اللغة العربيّة وثقافتها لتكون وسيلة تقارب وتعاون مع أصدقائنا في العالم، ونسعد بالتعاون والتكامل مع مختلف الجهود والبرامج التي تتواءم مع أهدافنا ومنطلقاتنا.
معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة
رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار
أهمّيّة اللغة العربيّة وارتباطها بالتاريخ والثقافة
اللغة أيضًا، أمٌّ. غير أنّها أمّ للكامن فينا من تشكّل هذا العالم والوعي به، لسيرة الأشياء التي تصعد بداخلنا سيرة حياة نسمّيها (نحن). واللغة هويّة، هويّة الوطن الذي إليه ننتمي، الثقافات التي نصنع، والمعنى الذي هو مقصد تشكّل اللغة لصناعة الطريق إليه. لذا، فاللغة حافظة الهويّة، وحضنها الأوّل. إنّها الكلمة الأولى التي نستيقظ عليها في هذا العالم، في هذه الجهة من الأوطان تحديدًا، ولأجلها يتحسّس القلب ويشعر. ولذا فإنّ أوّل ما تقوله الأمّ لطفلها: أمٌّ أيضًا. ولربّما ضمن وقع العالم وإيقاعه، الذي أوجد لغات تواصل عدّة لا حصر لها. وفي عالم فرضت فيه حركة العولمة والتطوّرات التكنولوجيّة والمعرفيّة استخدام عددٍ محدودٍ من اللغات، لا بُدّ لنا من الاستناد إلى جذر اللغة التي إليها ننتمي؛ اللغة الأمّ: اللغة العربيّة. هذه اللغة التي أبهر جمال بيانها وإتقان نظمها وإبداع خطّها كلَّ من اطّلع عليها، فالعربيّة لم تكن يومًا مجرّد أداة تواصلٍ ما بين مجتمعاتنا العربيّة فقط، بل رسّخت على مدى القرون في وجدان الإنسان العربيّ وعبّرت عن هويّته الثقافيّة، وأصبحت علامة فارقة تميّزه عن غيره من شعوب الأرض، حتّى صارت وسيلته للتعرّف على الآخر وإطلاعه على ما يمتلكه من مكتسبات حضاريّة واستخدامها خلال رحلة بحثه وتقصّيه عمّا يشكّل هويّته والعالم من حوله. ولأجل ما تؤمن به الأوطان من أهمّيّة اللغة في صياغة مضمون حضاريّ، وإيداع التاريخ الإنسانيّ صنائعها وحصائلها، فإنّنا نجد أنّ عالمنا العربيّ اليوم يواصل اشتغالاته رسميًّا وأهليًّا ومدنيًّا من أجل إحياء اللغة العربيّة، واستدامتها لدى أبنائها وأجيالها، كي تكون أداةً يستعيد بها العربيّ دوره ومكانته في إثراء الحراك الثقافيّ العالميّ. وقد تمكّنت جهود الدول العربيّة من نيل الاعتراف العالميّ بمكانة هذه اللغة فأصبحت لغة رسميّة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومن بعدها أقرّت المنظّمة عام 2012 اليوم العالميّ للّغة العربيّة، والذي نحتفي به سنويًّا في مملكة البحرين عبر جهودٍ مشتركةٍ ما بين هيئة البحرين للثقافة والآثار والمركز الإقليميّ العربيّ للتراث العالميّ، كما نأمل أن تنجح الدول العربيّة في تسجيل الخطّ العربيّ على قائمة التراث العالميّ غير المادّيّ. وإنّنا في هيئة البحرين للثقافة والآثار ملتزمون بجميع المبادرات العربيّة والدوليّة الرامية للحفاظ على اللغة العربيّة باعتبار ذلك من صميم عملنا في المحافظة على الإرث الثقافيّ والحضاريّ في مملكة البحرين والبلاد العربيّة، ولما لها من دورٍ كبيرٍ في حماية الهويّة الثقافيّة والوطنيّة في بلداننا. ونعتزّ بأنَّ هيئة الثقافة تستضيف حاليًّا مشروع نقل المعارف، الذي نتمكّن عبره من نقل خمسين كتابًا من مجالات الفلسفة والتاريخ والأدب وغيرها إلى اللغة العربيّة لنثري بذلك المكتبة العربيّة بما تحتويه هذه الكتب من معارف إنسانيّة عريقة. إنّ اللغة العربيّة عالية المكانة، وصار لزامًا علينا أن نهتمّ بها أكثر، ليس لأجل حاضرنا فقط، بل لأجل مستقبلنا ومستقبل أبنائنا والأجيال من بعدنا. اللغة العربيّة أمٌّ. أمٌّ ثانية، وهي التي تقود فينا البصيرة كي نعرف: أين الطريق؟ وإلى أيّ مدى، يمكن أن تصل هذه الأوطان؟ إنها بصيرة الناجين من إيقاع الجماعات، إلى وجه الأمّ الذي نؤمن به جميلًا وقويًّا.